عبير العبيدي يعبداوي خاص
عدد الرسائل : 902 العمر : 37 البلد : يعبد العمل : قابلة قانونية علم الدولة التي انت فيها : الهواية : تاريخ التسجيل : 17/09/2008 نقاط اليعبداوي : 28
| موضوع: جفرا ... 26/10/08, 12:24 pm | |
| من البداية
كان خالد يلعب ويمرح في الحارة، فسدد جندي صهيوني النار عليه، فوقع على الأرض يتخبط بدمه! ربت القائد الصهيوني على كتف جنديه منتشياً: - أنت صهيوني حقيقي!! صعق الفتيان فأسرعوا نحو خالد ليحملوه ويأخذوه، فأخذ الصهاينة يطلقون النار عليهم... فسقط أربعة شهداء، وجرح ثلاثة.. قال الناطق العسكري الصهيوني: - هاجمت مجموعة من الإرهابيين قوات جيش الدفاع الإسرائيلي بالبنادق والقنابل اليدوية، مما اضطر الجيشإلى أن يدافع عن نفسه بالرد عليهم! * * * ألم وحزن وغضب خرجت الحارة كلها تبكي، وانهار والداه.. قال جفرا والكلمات تتحشرج في حلقه: - ما ذنبه؟! عمره ست سنوات.. والآخرون فتيان صغار.. صغار يا عالم!! * * * قرار أخبر أبو عصام زوجته بعد أن عاد من تشييع جنازة ابنه خالد والفتيان الأربعة، أن دم ابنهما ودم الأولاد لن يذهب هدراً! قالت الزوجة: ماذا ستفعل؟! لزم الصمت، فانبثقت الآلام من مسامات جلده.. انهمرت دموعها، وهمست متوسلة: - لا أريد أن أفتقدك، يكفي خالد.. أراه دائماً أمامي يسألني: لم قتلوني, أنا لم أفعل شيئاً!؟ قال أبو عصام بعد أن أطلق زفرة طويلة: البركة فيك وفي بقية الأولاد! ولما استفرد أبو عصام بابنه البكر همس: - أوصيك بأمك وإخوتك! ردّ عصام بحدة: لا يابا! ابق أنت بجانبهم، هم بحاجة إليك، أنا سأثأر لأخي ولكل الشهداء! * * * فخر خرج أبو عصام من البيت إلى مكان ألفه، ووقف أمام جفرا: - نعم, أنا الآن جاهز لتنفيذ العملية! قال جفرا مازحاً: - سيسمونك إرهابياً! قال أبو عصام: وجود الصهاينة المستعمرين على أرضنا هو الإرهاب، قتلهم أطفالنا هو الإرهاب, تدمير بيوتنا هو الإرهاب... قال جفرا: إن وصفك المستعمرون بالإرهابي, فيجب أن تفتخر، لأن ذاك يعني أنك رجل وطني وشريف حتى العظم! * * * بديهية لم يدم الأمر طويلاً, فهو يعرف مستعمرة تل أبيب أكثر ممن فيها, ويعرف ذاك المطعم الذي يرتاده الجنود الصهاينة عند ناصية الشارع المطل على الساحة، والمؤدي إلى البحر.. لم يكن هناك روّاد كثيرون، ففضل أن يتريث، لذا أخذت عيناه تبحث عن أفضل طاولة، ليتمكن من مراقبة الجميع دون أن يثير شك أحد.. وبدأ الجنود بلباسهم المدني يتوافدون على المطعم، وبدأت خيوط من التوتر تجتاحه، وبدأت ضربات قلبه تتسارع.. شريط من الذكريات المرة تداهمه، ابنه خالد، الفتيان, الشهداء.. البيوت المدمرة, الطائرات, الدبابات, أصوات الانفجارات.. الذكريات تعصره, تضغط عليه.. ابنه أمامه, يصرخ: هؤلاء أطلقوا النار عليّ! الصهاينة يزدادون, ضحكاتهم المجنونة تملأ المكان، ضجيجهم يهيج الأعصاب.. الذكريات تخنقه, إعصارها اقتلعه من مكانه. سنوات مديدة من القهر والحرمان والبؤس والإذلال, ككرة ثلج تكبر وتكبر كلما تسارعت الذكريات المؤلمة, فتدفع الأصابع نحو الحزام! القيامة قامت! امتلأت المنطقة بسيارات الإسعاف والشرطة والأمن والإطفاء... حوصر شارع المطعم، وتسللت كاميرات المصورين، وفي الأرصفة البعيدة والشرفات تجمع الصهاينة والصفرة تصبغ وجوههم, والهلع والجبن يتراقصان أمام أعينهم, وكأنما ناقوس يطن في عمق كل واحد منهم: غداً سيأتي دورك! صرخ حاييم: ما معنى البقاء إن لم نشعر بالأمن والاستقرار والطمأنينة!! * * * المعادلة كانت أم عصام تعرف أن هذا سيحدث، لقد غاب عن البيت ثلاثة أيام بلياليها على غير عادته.. وسألت عنه خلالها كثيراً ولم تحظ بإجابة تروي عطشها! فرح وحزن وألم توحدوا في شرايينها وتدفقوا شاقين طريقهم إلى عينيها ووجهها.. زوجها يقف قبالتها يضم خالداً وفتيان الحارة, ووجوههم تتلألأ بشراً وسعادة! * * * بث مباشر على الهواء عقد زعماء عرب صهاينة مؤتمراً للسلام برعاية بوش وشارون, وتحدثوا عن ضرورة القضاء على إرهاب وعنف الفلسطينيين!! وفي المؤتمر الصحفي الذي تلا الاجتماعات المغلقة, وبعد أن انتهى الزعماء من النعيق والبعيق.. جاء دور الأسئلة, فسأل صحفي لم يمت ضميره بعد: الإسرائيليون يحتلون فلسطين ويقتلون أهلها, ويدمرون البيوت، ولا يبالون بصغير أو كبير.. بين رجل وامرأة.. ولا تسمون ذلك إرهاباً! الذي يستخدم الطائرات والدبابات والمدفعية ضد المدنيين العزل هو الإرهابي. الفلسطينيون يدافعون عن أنفسهم, عن أطفالهم, فلماذا تسمونه إرهاباً. كل الشرائع والأنظمة في السموات والأرض أعطتهم الحق في الدفاع عن أنفسهم... تقدم شبحان يرتديان نظارتين سوداوين, وانقطع البث التلفزيوني!! علل مسؤول إعلامي ما حدث بخلل فني، لكنه أضاف: - استمعنا إلى جزء من كلام ذاك المندس والمسمى صحفي، وقد تبين أنه كان سكران، نعم كان سكران، وقد أرسل إلى مصح لمعالجته...! * * * محاضرة قال جفرا أمام حشد من الشباب: - عندما يأخذ الشراب بسجّان وعي صاحبه, يأخذ اللاوعي حريته، فينطلق ليبوح بالمخبوء من مقموعات مكبوتة! صحيح قطعوا عنا الدعم والمساعدة، صحيح بأنهم حرسوا الحدود لمنع تسلل الإمدادات، صحيح بأنهم سجدوا تحت أقدام ربهما الأمريكي والصهيوني... ولكن, أن يصفوا دفاعنا عن أنفسنا وكرامتنا وحريتنا بالإرهاب, فهذا أمر مثير للاشمئزاز!! وتابع: - إن ما يحدث على أرض فلسطين وترونه بأعينكم من اجتياحات وقتل وتدمير واغتيالات واعتقالات وطرد بقوة السلاح... والأنظمة العربية المتآمرة تتفرج، هي والأنظمة الإسلامية, وأوروبا صاحبة الوجه المراوغ والمخادع والمزيف، وأمريكا هي هي المتصهينة والحاضنة للمستعمر الصهيوني.. هذا الذي ترونه هو ما حدث عام 48, فالتاريخ يعيد نفسه، فمن لم يكن الشاهد على الجريمة الأولى في ذاك الوقت المفعم بالتعتيم والتضليل، فليوقظ ضميره ليشهد! * * * معنى السلام سأل عصام جفرا: ماذا يعني السلام؟ أجاب: السلام يعني أن يعترفوا للص بشرعية سرقته لأرض ليست لهم! قال عصام: ولم يعترفون بشيء لا علاقة لهم به! أجاب: لينالوا رضا سيدهم، وآخرون ليستعيدوا ما لهم! قال عصام: ونحن, إن لم نعترف له بسرقة أرضنا؟ أجاب: سيستخدم المزيد من الإرهاب والعنف والقتل والتدمير و... قال عصام: لا, يحق لنا أن ندافع عن أنفسنا وحقوقنا! قال جفرا: سيسمونك إرهابياً!! * * * أم عصام خرجت التظاهرة تظللها الأعلام واللافتات، منددة بالاستعمار الصهيوني. كان عصام يحمل علم فلسطين، وبين فترة وأخرى يرفع رأسه ليختطف النظر إليه، فيشعر بالزهو والكبرياء، وحنجرته تردد الهتافات مع الآخرين.. أم عصام كانت تقف على السطح مع جاراتها, وأخذن يهتفن ويزغردن لفلسطين والثورة والحرية.. مرت المظاهرة من الحارة، وحانت مناوبة اختطاف النظرة إلى العلم، فالتقت عيناه عيني أمه, فتأججت مشاعره أكثر, وازداد صوته علواً: - بالروح بالدم نفدبك يا فلسطين.. ولعل أمه ميزت صوته من بين أصوات الآخرين.. دمعت عيناها بدفء وشوق له كأن لم تره منذ زمن بعيد، فأخذت تردد مع النسوة رافعة إصبعيها على امتداد ذراعيها لابنها, لتعبر له عن ثقتها بالمستقبل! * * * ما العمل؟ بعد أن قصفت الأباتشي الحارة واستشهد عدد من الأطفال والنساء والشيوخ، قال عصام لأمه: - سيبقى الصهاينة النازيون يقتلوننا ويدمرون بيوتنا حتى نستسلم.. قاطعته أمه: لن نستسلم، سنبقى ندافع عن أنفسنا، ولنمت، ولكن بكرامة وكبرياء.. قفز عصام نحوها ضاحكاً: أحبك يما.. أنت قلتها! وقبل وجنتيها وضمته إليها بحنان، وعقلها مشوب بشيء ما خفي أخذ ينتشر في جوانحها! * * * حق حدق عصام طويلاً في جفرا، ثم قال: - ألن تقبلوني! لست صغيراً، أنا كبير، أنا شاب، رجل، وهل الرجل بشاربيه!! قال جفرا مدهوشاً: ليست القضية هنا، نحن نعرفك شجاعاً منذ استشهاد أخيك وأبيك.. وأنا شخصياً شاهدتك عدة مرات ترجم الصهاينة بالحجارة.. أنت بطل يا عصام.. ولكن أمك وإخوتك بحاجة إليك الآن. الشباب كثيرون وكل منهم يتسابق إلينا مثلك تماماً، كلهم يحب فلسطين، كلهم ينتظر ساعة اختياره لعملية استشهادية.. قاطعه عصام: وأنا لي الحق في ذلك مثل الجميع! ردّ جفرا: هو حق لكل إنسان، لن يستطيع أحد أن يسلب منا حقنا في الدفاع عن أنفسنا, حقنا في محاربة المستعمر، حقنا في تحرير وطننا... وتابع: لكن.. وتوقف هنيهة.. قاطعه عصام: لكن ماذا!؟ - ... انتظر حتى يحين الوقت المناسب! * * * حلم لم تجد محاولات عصام في مواقع عديدة لقبوله.. منهم من قال ما زلت صغيراً, أو أسرتك بحاجة إليك, أو مهماتك الآن في التظاهرات, أو رجم الحجارة.. وكله نضال عظيم.. غضب عصام فتألم وقفل عائداً إلى البيت.. دخل الغرفة وأغلق الباب وراءه.. لاحظت أمه اكتئابه، وقد أقلقها في اليومين الماضيين قلة أكله ونومه، وعزوفه عن الحديث.. حتى ابتسامته الوديعة هجرته.. لم تستطع الصبر أكثر، فدخلت إليه, وصارحته: - يما عصام، رضاي عليك حبيبي، أخبرني ماذا جرى، لقد تغيرت كثيراً، الألم مرسوم على وجهك، أخبرني يما، أنا أمك.. نظر عصام إليها بأسى: يما كلهم يرفض أن أشارك في عملية استشهادية مثل أبي.. اقتربت أمه منه، وأمسكت رأسه بكفيها، وعبرت لحظات سكون أرعدت، فاختلطت دموعه بدموعها! * * * القرار الصعب قابلت أم عصام جفرا عاتبة بنبرة حادة: - لماذا ترفضون قبول عصام, إنه ابني، وأنا بكامل قواي العقلية أقول حققوا له ما يريده، لا تظنوه طفلاً، هو بعقله وقلبه رجل راشد بكل معنى الكلمة، إنه ابني وأعرفه، نحن نلد الأطفال رجالاً... تأملها جفرا طويلاً، فلم يستطع مقاومة الإصرار والعنفوان في قسماتها، فهز رأسه موافقاً.. ارتخى جسد أم عصام وارتمى على الكرسي.. ومن بين عينيها تفجر نبع دموع لم تسل, ولكن تلألأ وجهها بابتسامة غامضة! * * *
النهاية | |
|
فرح عمارنة
ادارية
عدد الرسائل : 4540 العمر : 44 البلد : jordan العمل : معلمة علم الدولة التي انت فيها : الهواية : المهنة : تاريخ التسجيل : 20/01/2008 نقاط اليعبداوي : 1754
| موضوع: رد: جفرا ... 26/10/08, 01:40 pm | |
| بالروح بالدم نفديك يا فلسطين.. إن وصفك المستعمرون بالإرهابي, فيجب أن تفتخر، لأن ذاك يعني أنك رجل وطني وشريف حتى العظم! لن يستطيع أحد أن يسلب منا حقنا في الدفاع عن أنفسنا, حقنا في محاربة المستعمر، حقنا في تحرير وطننا... [size=21] يسلموووووووووووووووووووو عبوره
على هذه القصة الرائعة ويعطيك الف عافيه انشاء الله
تقبلي مروري
| |
|
عبير العبيدي يعبداوي خاص
عدد الرسائل : 902 العمر : 37 البلد : يعبد العمل : قابلة قانونية علم الدولة التي انت فيها : الهواية : تاريخ التسجيل : 17/09/2008 نقاط اليعبداوي : 28
| موضوع: رد: جفرا ... 26/10/08, 02:46 pm | |
| | |
|
ابو منصور(محمد عمارنة) يعبداوي هام
عدد الرسائل : 545 العمر : 40 البلد : يعبد العمل : سكرتير علم الدولة التي انت فيها : الهواية : المهنة : تاريخ التسجيل : 10/10/2008 نقاط اليعبداوي : 295
| موضوع: رد: جفرا ... 26/10/08, 08:55 pm | |
| والله كلام جميل شكرا لكي جزيرا على القصة الرائعة جدا، نتمنا من هذه القصة ان تيقظ اصحاب الضمير الحمي ولكن للأسف اللهم انصر اهل فلسطين
| |
|
عبير العبيدي يعبداوي خاص
عدد الرسائل : 902 العمر : 37 البلد : يعبد العمل : قابلة قانونية علم الدولة التي انت فيها : الهواية : تاريخ التسجيل : 17/09/2008 نقاط اليعبداوي : 28
| موضوع: رد: جفرا ... 27/10/08, 09:31 am | |
| | |
|
بنت جنين
مشرفة استراحة شبكة منتديات يعبد
عدد الرسائل : 4380 العمر : 27 البلد : يعبد العمل : طالبة علم الدولة التي انت فيها : الهواية : المهنة : تاريخ التسجيل : 10/09/2008 نقاط اليعبداوي : 1406
| موضوع: رد: جفرا ... 05/11/08, 04:33 pm | |
| | |
|
ساجي حمارشة
مشرف منتدى فلسطينيات
عدد الرسائل : 720 العمر : 35 البلد : يعبد العمل : طالب جامعي علم الدولة التي انت فيها : الهواية : المهنة : تاريخ التسجيل : 16/05/2008 نقاط اليعبداوي : 559
| موضوع: رد: جفرا ... 09/12/08, 12:21 am | |
| الكلام جميل جداً والشكر لمن وضع هذا الموضوع في متناولنا
| |
|